إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
مسائل الجاهلية
4385 مشاهدة
ظن الجاهلية

أمور الجاهلية كثيرة يطول شرح أمثالها، لكن نذكر بعض الأدلة من الكتاب والسنة على بعضها حتى يُعْرَفَ بذلك جنسها فَيُتَجَنَّب.
فمن ذلك قول الله تعالى: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ هكذا يظنون ظن الجاهلية، هذه الآية جاءت في قصة أُحد في سورة آل عمران، وذلك لأنه لما جاء المشركون في نحو ثلاثة آلاف لغزو أهل المدينة كان من بينهم مَنْ ظهر نفاقه، فيقول الله تعالى: وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ .
تكلم على هذه الآية ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد لما ذكر موقعة أحد وذكر حالة هؤلاء الجاهليين الذين يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، وقال: هذا ظن المنافقين الذين ذكرهم الله تعالى في سورة الفتح في قوله تعالى: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ .
فذكر أن هذا هو ظَنُّ السوء، وأنه هو ظن الجاهلية، ثم استدل على كيفيته بما ذكره الله تعالى عن بعض الأعراب في قوله عز وجل: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا .
فهذا هو ظنهم، يظنون أن الإسلام سوف يَضْمَحِلُّ، وأن الرسول سوف يُقْتَلُ، وأن المسلمين لا عاقبة لهم، وأن العاقبة والنصرة تكون لأعدائهم عليهم، وأنه سيُدِيل اللَّهُ الكفار على المؤمنين، ولا ينصر أولياءه، فكان هذا من ظن الجاهلية.
وقد أكثر ابن القيم رحمه الله من الصُّوَرِ في هذه الحالة، يعني: ذكر أمثلة قد تزيد على المائة أو تقاربها، ولكنه استطرد في أشياء لا صلة لها بظن الجاهلية، ولكنها ظنون شركية ونحوها.
فنقول: تَجَنَّبُوا هذا الظن؛ فإنه ظَنُّ الجاهلية، وقد نهى الله تعالى عن أكثر الظن، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ فَمَنْ ظن مثلًا أن الكفار يتمكنون، ويظهرون على الإسلام وعلى أهله فهذا ظن الجاهلية.
ومَنْ ظن أن المسلمين على خطأ، وأن إسلامهم وأن أعمالهم ليست شرعية فهذا من ظن الجاهلية.
ومَنْ ظَنَّ أن هذا القرآن الذي نقرؤه.. أن فيه اختلافا، وأنه ليس من عند الله كُلِّهِ فهذا من ظن الجاهلية.
ومَنْ ظَنَّ أن الرسول عليه الصلاة والسلام مُتَقَوِّلٌ، وأنه ليس صادقا فيما يقوله من هذه الإرشادات والتوجيهات فهذا من ظن الجاهلية.
الأمثلة كثيرة يلحق بها ظنون المتبدعة والمشركين ونحوهم، هذا مثال.